كلمة رئيس مركز البحوث والدراسات في ملتقى السابقون الأولون (الملتقى الأول )
قال الشيخ محمد سالم الخضر رئيس مركز البحوث والدراسات في كلمته في الملتقى :
كان بين الآل والصحابة من الاهتمام والتقدير والمودة ما يعد مضرباً للأمثال التي يحتذى بها.
في عالم يصبو إلى الوحدة … يشتكي من الفرق … يكتوي بنار الطائفية، تبقى الحاجة مُلحة إلى كلمة حب بل مودة ورحمة.
والمودةُ أصفى الحبِ وألطفه – على حد قول الإمام ابن قيّم الجوزية في (روضة المحبين).
ولما كانت المودة تبلغ في النفوس هذا القدر من الرفعة والأثر، خاطب الله تعالى عباده المؤمنين بها وجعلها الصلة بينه وبينهم فقال: {إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّا} (مريم:96) أي حباً في قلوب عباده.
واشتق من المودة والوِد من صفات الله سبحانه وتعالى فهو كما أخبر عن نفسه في سورة البروج (وهو الغفور الودود).
ولم تكن العلاقة الحميمة التي جمعت بين الخلفاء الراشدين وأهل البيت علاقة مثالية زائفة، يمكن لنا أن نتصورها في المسلسلات الدرامية فحسب، لكنها كانت تلقائية، وليدة الموقف واللحظات.
فانظر إلى ثناء علي بن أبي طالب على أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهما:
* روى ابن سعد في (الطبقات الكبرى) عن علي س قال: يرحم الله أبا بكر، هو أول من جمع اللوحين .
* تواترعن علي رضي الله عنه تفضيله وتقديمه لأبي بكر رضي الله عنه على نفسه، فمن ذلك:
1- روى أبو داود بسند صحيح عن محمد ابن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثُمَّ عُمَرُ. قال: ثُمَّ خَشِيتُ أَنْ أَقُولَ ثُمَّ مَنْ فَيَقُولَ عثمان، فَقُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ يَا أَبَةِ، قال: ما أنا إلا رَجُلٌ مِنَ المسلمين .
2- روى الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن أبي جحيفة قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عنه ثم رجل آخر .
3- روى الحاكم في المستدرك عن أبي وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب س ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول الله ص فاستخلف و لكن إن يرد الله بالناس خيراً فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم .
– والآن مع دموع أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه :
وحين يعتب عليه علي رضي الله عنه للبيعة التي تمت في السقيفة تفيض عينا أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه بالدموع، فلما تكلم أبو بكر قال لعلي: (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إليّ أن أَصِل من قرابتي).
وانظر إلى احتفاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعم النبي ص العباس رضي الله عنه
روى البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أنّ عمر بن الخطاب كان إذا قَحَطُوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم فَتَسْقِينَا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فَاسْقِنَا قال فَيُسْقَوْنَ .
وهذا ثناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد استشهاده
روى البخاري في صحيحه عن سمع ابن عباس رضي الله عنه يقول: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي بن أبي طالب فترحم على عمر ،وقال: ما خلفت أحداً أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله؛ إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت إني كنت كثيراً أسمع النبي ص يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر.
المُزاح والملاطفة بلسم العلاقات
من أخطاءنا الشائعة في فهم العِظام وبالأخص الصحابة منهم، أننا نظن أنهم أرفع من أن ترتسم على شفاههم الابتسامة أو أنهم بعيدين عن المزاح الأخوي الرزين الذي يزين العلاقات الاجتماعية ولا يشينها، فتناسى أنّ لديهم مشاعراً وأحاسيساً كغيرهم من البشر.
إنّ الملاطفة التلقائية التي يفرضها الموقف، تُعبر عن مشاعر تلقائية بريئة كذلك، هكذا نقرأ الملاطفات التي كانت بين أبي بكر الصدّيق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ومن بينها هذه الملاطفة التي رواها الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: خرجت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه من صلاة العصر بعد وفاة النبي ص بليال وعلي عليه السلام يمشي إلى جنبه فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته وهو يقول: بأبي يشبه النبي ليس شبيهًا بعلي، قال: وعلي يضحك.
وقد روى الزُّهري أن عمر بن الخطاب كسا أبناء الصحابة، ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين فبعث إلى اليمن، فأتي بكسوة لهما فقال: الآن طابت نفسي.
وروى الواقدي أَنَّ عمر ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما؛ لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكل واحد خمسة آلاف .
ملامح الاهتمام والتقدير والاقتداء بين آل البيت والصحابة
– ترشيح عمر بن الخطاب رضي الله عنه علياً رضي الله عنه للخلافة مع أهل الشورى
لما طُعن عمر س وظن أنه سيفارق الحياة، وأخذ المسلمون يدخلون عليه ويقولون له: أوصِ يا أمير المؤمنين، استخلف، قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر – أو الرهط – الذين تُوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض، فسمّى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن، وقال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء – كهيئة التعزية له – فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة.
-اقتداء علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه
روى البيهقي في سُننه عن عَبْدُ خَيْرٍ قال: كنت قريباً من علي رضي الله عنه حين جاءه أهل نجران قال قلت إن كان رادا على عمر شيئا فاليوم قال فسلموا واصطفوا بين يديه قال ثم أدخل بعضهم يده في كُمِّهِ فأخرج كتاباً فَوُضِعَ في يد علي س قالوا: يا أمير المؤمنين خَطُّكَ بِيَمِينِكِ وَإِمْلاَءُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليك قال: فرأيت علياً رضي الله عنه وقد جرت الدموع على خده قال ثم رفع رأسه إليهم، فقال: يا أهل نجران؛ إنّ هذا لآخر كتاب كتبته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قالوا: فأعطنا ما فيه، قال: سأخبركم عن ذاك، إنّ الذي أخذ منكم عمر رضي الله عنه لم يأخذه لنفسه، إنما أخذه لجَمَاعَةٍ من المسلمين، وكان الذي أخذ منكم خيراً مما أعطاكم، والله لا أرد شيئاً مما صنعه عمر رضي الله عنه ، إنّ عمر س كان رشيد الأمر.
فكما رأينا في هؤلاء السابقين الأولين من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن صحابته الكرام من عظيم المودة والحب والإخاء ولاحترام المتبادل , علينا أن نقتدي بهم , ومن اقتدى بكريم فقد أفلح ونجا , ومن أكرم من آل البيت والصحابة رضوان الله عليهم لنتشبه بهم ؟
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح .. والحمد لله رب العالمين .